رواية بصائر تغشاها الثرى بقلم ډفنا عمر الفصل الخامس "حصري"
علاقتك تتقطع بيها نهائي.
وتركها شاعرة بالقهر من قراره.. للمرة الأولى يفرض أوامره عليها دون نقاش وهذا ما لم تعتاده منه. ويحزنها.
رواية بصائر تغشاها الثرى.
بقلم ډفنا عمر.
يجلسون حول الجدة أم هاشم في ردهة البيت يراقبونها وهي تصنع مشروب القهوة فوق تلك السبرتاية النحاسية التي تعلوها دلة من نفس نوعها ما أن اقترب سائل القهوة من فورانه حتى رفعتها الجدة وصبتها داخل الفناجين..تلذذت غنى برائحتها ثم طعمها الذي ارتشفت بعضه لتغمض عيناها تغمغم بحنين.
الله يا طنط على ريحتها أول مرة في حياتي أدوق قهوة بالجمال ده..لتنظر أمامها تواصل بانبهار.
مع وصول أونصة الذهب إلى مستويات قياسية تجاوزت 2500 دولار، يجد المواطن المصري نفسه مضطراً لموازنة استثماراته بين الذهب واحتياجاته الأخرى، خاصة مع ارتفاع أسعار السيارات مثل تويوتا، هيونداي، وبي إم دبليو، مما يزيد من التحديات المالية التي يواجهها.
ابتسمت العجوز تتمتم بغموض.
خلاص يا غنى اعتبري السبرتاية النحاس دي ملكك.
اعترضت تقول.
لا طبعا يا طنط انا عارفة حضرتك ماتستغنيش عنها ومش بتشربي قهوة غير فيها وازاي بتعتزي بها.. كفاية جبتيها معاكي وشربت منها مرة.
شردت العجوز بشخوص.
كان أبويا الله يرحمه بيحب السبرتاية دي أوي .. ولما كان يجي عندي يجيبها معاه وميشربش القهوة إلا منها.. كان كييف قهوة وقعدته حلوة ودافية وكلامه كأنه حكم وأمثال الناس تاخد منها العبر.
انجذبت غنى لحديثها الشيق المفعم بماضي جميل تخوض الجدة بس بسراديبه.. صمتت دون ان تقاطعها تاركة لها المجال لتسترسل في حكاويها الشيقة الفرحة تغمر قلبها لمكوث الجدة لديها ثلاثة أيام كاملة.. لم تصدق انها ستفعل إلا حين مضى يوم زيارتها الأول كعادة كل شهر لتجدها تأخذ الصغار غرفتها وتنام.. دثرتهم غنى ترمي العجوز بنظرة حنان لا تقل عن نظرتها لأطفالها وعادت لغرفة هاشم الذي غاب حتى منتصف الليل.
تتأثر أسعار السيارات من شركات مثل مرسيدس بتقلبات أسعار الذهب وسعر صرف الدولار، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج والاستيراد.
غنى بامتنان.
وانتي بتعملي معايا زي ما كانت والدتك بتعمل..لما جيتي امبارح وقفتي تظبطي في الحاجة اللي جبتيها وترصي في الفريزر.
لتلتقط غنى يدها تلثمها بمحبة طاغية.
ربنا ما يحرمني من حنانك عليا.
ربتت العجوز فوق رأسها برفق.
أنتي بنتي يا غنى عمري ما شوفتك مرات أبن.
لتغيم عيناها بذنب.
كفاية إني اختارتك لابني وبليتك بيه رغم اني عارفة عيوبة.. قلت يمكن بالجواز ينصلح حاله.
بس أمي وابويا وافقوا.. وانا وافقت على هاشم لاني كنت بحبك وعايزة اعيش معاكي.. وكله نصيب في الأخر متحمليش نفسك الذنب.
وافقتوا إكراما ليا وثقة في كلمتي انك هتكوني متصانة في بيت ابني..بس.
أنا اخدت نصيبي وربنا عوضني بولادي وبيكي.
رمقتها بنظرة غامضة لم تفهمها غنى لكن قبضة قلب تنغز قلبها لا تدري سببها.. المفترض أن الأجواء سعيدة مريحة بوجود الجدة لكن داخلها تشعر بسوء قادم.
تيتة ممكن نشرب قهوة معاكم.
هكذا قال الصغير عمرو الذي يجلس بينهم هو وشقيقته شهد.. لتمنحه الجدة ابتسامة حانية.
يؤدي ارتباط أسعار الذهب وسعر صرف الدولار بتكاليف المواد الخام والاستيراد إلى تأثير مباشر على أسعار السيارات في الأسواق.
اعترضت الصغيرة معربة عن رغبتها.
تيتة نفسي اشرب في الفنجان النحاس زيكم.
اتسعت ابتسامتها تحوطها بدفء ملبية طلبها.
بس كده طلباتك أوامر يا حتة من القلب.
يلاش يا طنط يشربوا قهوة هتسهرهم..انا مش معوداهم عليها.
اجابتها برفق وهي تضم الصغيران بذراعيها.
مرة واحدة من نفسهم. يا غنى.
لتغمغم بذات النظرة الغامضة.
مش عايزة اخلي في نفس أحفادي حاجة.
شعر الصغار بسعادة بالغة وهما يشاركان الكبار قهوتهما للمرة الأولى.. تلك التي كانت بمثابة فاكهة محرمة عليهما.. قبل ان تلبي الجدة رغبتهما الصغيرة.
فرغوا جميعا من احتساء القهوة والحكاوي الدافئة لتلملم العجوز جسدها تنهض وهي تقول.
كان نفسي هاشم يجي يقعد معانا القعدة الحلوة دي..من وقت ما جيت مقعدش معايا.
للاسف هاشم بيسهر على القهوة كل يوم مع اصحابه مش بيطلع دلوقت.
تنهدت بحزن.
الله يهديه ويصلح حاله.
صرفت غنى صغارها قائلة.
يلا يا حبايبي روحوا أوضتكم ناموا عشان الصبح بدري تصحوا تقعدوا مع تيتة.
تشبث الصغار بثوب الجدة معلنين تمردهم بعناد وعدم تركها.. لتتثبث هي الأخرى بهما تقول برفق.
خليهم يناموا الليلة معايا يا غنى.. انا مشبعش منهم.
نومهم وحش يا طنط بالذات عمرو.. هيصحيكي ويقلقك.
والله ما هتحرك كتير وهنام هادي جنب تيتة.
شهد وانا كمان يا ماما هنام في حضڼ تيتة ومش هضايقها.
تنهدت غنى بقلة حيلة.
والله يا طنط انتي بتدلعيهم جامد لما بتيجي مبقدرش عليهم بعد كده.
ابتسمت وهي تمنحها نظزة راضية وقبل ان تبلغ غرفتها استدارت بغتة تقول لها.
غنى.. لسه فاكرة وصيتي
رمقتها بدهشة لذكر أمر كهذا الأن لكنها اجابت.
طبعا يا طنط فاكرة بس
قاطعتها قبل ولوج الغرفة.
قلت أفكرك بيها واطمن.
واختفت خلف الباب الموصد لتقف غنى تنظر لبابها پخوف تملكها بشدة لدرجة انها ارادت ان تنضم إليهم وتنام هي الأخرى جوار الجدة لكنها تراجعت تنهر نفسها بخفوت.
استعيذي بالله يا غنى.. ده شطان عايز يقل راحتك كل اما تكوني مبسوطة.. مفيش حاجة وحشة هتحصل.. قلبك المرة دي كداب.
واختفت هي الأخرى خلف باب غرفتها تحاول النوم الذي يزهد عيناها.
حافظ قرآن يا عمرو
الصغير بحماس.
أيوة يا تيتة حافظ جزء عم.
شهد مشاركة هي الأخرى بإنجازها.
وأنا كمان يا تيتة حافظة قرآن زي عمرو.
ابتسمت وهي تمد جسدها بينهما.
خلاص كل حد فيكم يقرأ سورة.. أفضلوا كده لحد ما اروح في النوم.. بس لما انام محدش يصحيني..اتفقنا
وعدها الصغار ثم بدأ عمرو بقراءته لتتبعه شهد بسورة أخرى وظلوا هكذا يتناوبان على تلاوة القرآن وهما يراقبان ابتسامة الجدة الصافية وهي تتنقل ببصرها بينهما كأنها تدخر ملامحهما الحبيبة بقلبها.. ثم أسبلت عيناها ولاتزال ابتسامتها كما هي مفروشة فوق شفتيها الرفيعة الشاحبة..بدأ النوم يداعب عيون الصغيرة لتنام على صدرها بهدوء.. ولم يمض الكثير حتى غفى عمرو على جانب صدرها هو الأخر يؤكد لنفسه في ضميره انه لن يزعح الجدة الحبيبة بنومه كثير الحركة.. سوف يكون هادئا لتنعم بنوم هادئ بينهما وترضى ان يغفيان جوارها في الغد قبل رحيلها لبيتها..ولم يدرك الصغير أن الرحيل قد أتى ولم يبقى للغالية غدا آخر تعيشه معهما.
صوت الآذان جعلها تفيق من نومتها القصيرة بعد طول أرق لم تدري سببه.. نهضت غنى تتمتم الأذكار وتستعد لصلاة الفجر.. توضأت ثم وقفت تصلي وبينما هي ساجدة كانت تبكي مع دعائها الخاڤت لربها.. كانت ترجوه أن يشرح صدرها المقبوض ولا يأتي لها إلا بالخير.. فرغت من الصلاة ومكثت تسبح وتحمد الله مرارا قبل أن تجد زوجها يعبر داخل البيت متوجها لفراشه دون حتى تغير ملابسه.. بالكاد خلع نعليه قبل أن يرتمي فوق فراشه.. هزت رأسها بعدم رضا واقتربت منه قائلة.
هاشم.. يا هاشم.
همهم بصوت خاڤت لتقول.
أصحى بدري شوية افطر مع أمك لأنها زعلانة منك عشان مقعدتش معاها خالص اليومين اللي فضلتهم معانا.. افطر معاها وابقى نام تاني.. دي خلاص ماشية انهاردة بالليل.
لوح لها دون اكتراث لترمقه بعتب وضيق ثم توجهت نحو غرفتها لتنقل الصغار من فراشها.
ابتسمت حين ولجت الغرفة وهي ترى كلا من صغارها يحتضن ذراع من ذراعها بينما هي غافية بينهما تبتسم بسلام.. غمغمت غنى بخفوت.
شطار يا ولاد شكلكم نمتوا بأدب وتيتة عرفت تنام
بهدوء وسطيكم لدرجة انها مبتسمة.
دنت تأخذ عمرو بحذر وهي ترفع ذراع الجدة عنه لتجدها باردة مثل الثلج.. توقفت تنظر لها ونبضات. خافقها تتسارع مع