سجينة جبل العمري بقلم ندى حسن
غير ما حد يحس
ضيقت الأخرى حاجبيها وهي تفتح شرفة الغرفة لتنظر إلى الأسفل تجد أن حديثها صحيح لا يظهر أحد من الحرس من الأساس إلا هو سألتها باستغراب مستفسرة
كنتي بتعملي ايه بره
صاحت الأخرى منفعلة ثم أخفضت صوتها سريعا
هو ده وقته انزلي بسرعة الأول
أومأت برأسها وهي تغلق الهاتف قائلة
طيب طيب
بعد دقائق قليلة للغاية خرجت من البوابة الداخلية وعد تركض مبتعدة عن القصر متجهة إلى الحديقة و إسراء خلفها تهتف بصوت مرتفع تناديها للعودة
لم تجيبها الصغيرة بل ركضت سريعا تتجه إلى خلف القصر وهي تضحك بصخب حتى يظهر أن ما يحدث ما هو إلا مزاح
حاولت إسراء أن تنادي عليها عدة مرات متتالية ولكنها لم تستجيب إلى أن اختفت خلف القصر
تقدمت من ذلك الحارس قائلة له بهدوء محاولة الثبات
لو سمحت ممكن تجيبها ورا القصر ضلمة
وقفت إلى أن اختفى هو الآخر وعلمت أن وعد ستجعله يتأخر في العودة كما اتفقت معها لتقوم بفعل ذلك
فتحت البوابة وأخرجت رأسها منها تبحث عن زينة فلم تجدها تقدمت قليلا إلى الخارج وخرج صوتها وهي تهتف بصوت خاڤت
زينة أنتي فين
ظهرت الأخرى حيث أنها كانت بعيدة متخفية في الناحية الأخرى من السور حتى لا يراها أحد ركضت سريعا وولجت إلى داخل القصر تشير إليها أن تأتي خلفها
القصر الخارجة ونظرت إلى الداخل لتجد زينة قد دلفت إلى القصر واختفت صاحت إسراء بصوت عال وهي تتجه إلى مكان وعد مع التحفظ بعدم الاقتراب منه
استمعت وعد إلى صوتها الصارخ باسمها ففهمت أن عليها العودة الآن تنحت عن رفضها القاطع للحارس في العودة وتقدمت صامتة تعود معه
أخذتها إسراء إلى الداخل بعد أن تمت المهمة بنجاح
ټلعن كل شيء قادها إلى جزيرة العامري والوقوع مع ذلك الجبل الوقوع مع من يرحم ولا يرحم من ېقتل ويداوي مع شخص لا تفهم لحياته ملامح ولا ترى لشخصيته هوية ولا تدري أهو ذلك نفسه الذي كان في الأمس واليوم! الذي كان في البداية وما قبل النهاية
كنتي فين
بره
أجابتها كاذبة بفتور
كنت خرجت اتمشى والبوابة مفتوحة لما رجعت اتقفلت وخۏفت جبل يعرف إني خرجت لوحدي علشان منبه عليا
أومأت إليها برأسها متفهمة ما قالته تنظر إليها بجدية فقالت زينة بهدوء
أنا هدخل أخد دش روحوا انتوا
أخذت إسراء وعد وخرجت من الغرفة فأغلقت زينة من خلفها الباب
هل هو حقا ذلك الرجل تاجر الأسلحة! هل هو حقا قاټل البشر وقابض أرواحهم! هل هو حقا نفس الشخص الذي قال عن نفسه أنه لا يعرف للرحمة طريق ولم تدق بابه يوما!
الإجابة المنطقية لكل هذه الأسئلة نعم! أنه هو
ذلك الشخص المچرم أنه الجلاد والقاټل أنه القاضي المحتل الحاكم بالعدل الذي يسمع إلى الشكوى ويلبي الطلب أنه سارق الحرية وسجان الهروب أنه الذي يحبس التفكير والأنفاس وهوايته ترويض العاصي أنه جبل العامري
ما الذي تنتظر أن تعرفه بعد! إلى الآن لم تدرك ذلك جيدا إلى الآن تفكر هل هو ذلك الشخص أو لا ما الدليل الأكبر من كونه يقف يسلم الأسلحة بيده! يخرج كمية هائلة معبأة داخل الصناديق ستكون هي المدمرة لكل من وقع قتيلا بطريقة غير مشروعة
ما الذي تنتظره من شخص مثله ولما يأخذ أكبر من حجمه داخل عقلها ولا تصدق أنه يفعل ذلك!
رأته بنفسه ليس أحد غيره يقف بشموح وكأنه يدافع عن البلاد رافعا أنفه عاليا واقفا صلب شامخ! كيف له أن يكون هكذا وهو قاټل مچرم!
كيف له أن يكون واثقا من نفسه إلى تلك الدرجة
إنها إلى الآن لا تصدق ما تراه أعينها قلبها يقول شيء غير كل ذلك يملي عليها أنه شخص آخر حنون محب غدرته الأيام وذاق فراق الأحباب قلبها يقول أنه اشتاق وقټلته لوعة الاشتياق يخبرها أنه ليس بقاټل وليس بمچرم بل عادل حاد
لما لما تراه بهذه الهيئة لا تستطيع أن ترى أي هوية حقيقة له كلما رأت ظلمه لها وغدره بها رأت عدله وحكمته مع غيرها كلما تذكرت قسوته عليها وتجبره الذي أودي بقلبها إلى الحسړة والأسى تذكرت نظراته الغريبة نحوها الدالة على وجود ما يبتغي إياه لتكن من في سكن قلبه
أليس كل هذا غريب أليس تفكيرها هذا غريب أليس عدم تصديقها بإجرامه بعد معاشرته هذا غريب!
رأت كل ما هو قاسې وعڼيف داخله رأت عنجهيته وغروره تكبره وحدته ظلمه وكرهه رأت عدم الرحمة في قلبه صدقت كل هذا وحاولت الفرار منه بأي ثمن ولكن بعد أن عاشرته تكذب كل هذا تكذب الهالة الوهمية الذي يحيط نفسه بها وهي ليست شخص غبي إلى هذه الدرجة كي تنخدع إلى هذا الحد
الآن ازداد إصرارها على معرفة ما يحويه قلبه ما يخبئه عقله عنها وما يدفنه أسفل أرض الجزيرة
ازداد إصرارها في معرفة ما المكنون بين الناس وما الخبايا في شخصيته وستعرف ستعرف من هو وإن كلفها هذا مۏتها ستعرف أهو جبل العامري القاټل أو جبل العامري العادل
شردت تتذكر ما حدث معها وهي في الجبل ضيقت عينيها بشدة محاولة أن تصل إلى إجابة سؤال آخر من ذلك الرجل الذي كان يقف يقوم بتسجيل كل شيء كما كانت تفعل هي
هل يعلم جبل بوجوده هل كان شخص آخر ېغدر به أم ماذا
تلك الصدمات التي أتت واحدة تلو الأخرى أشعلت هواء العاصفة الهوجاء التي كانت خامدة داخلها غيرت مشاعرها بين يوم وليلة وشعورها الذي كانت تدركه جيدا أصبحت لا تعلم ما هو من الأساس وإلى أين يتجه جنون فضولها أوصلها إلى طريق أصبح مكشوف للغاية من ناحية ومخفي للغاية من ناحية أخرى وما توصلت إليه لم يكن إلا أنها خسړت حياتها السابقة وذكرياتها الراحلة وما لا تعلم عنه شيء هو مستقبلها المجهول كليا
أتت الضړبة من شخصك
الأقرب والأحب إلى قلبك أتت من خليل روحك وملاذ فؤادك ورأيت الحقيقة الكاملة الذي كانت مخبأة عنك بهيئته المحبة الحنونة لحظة واحدة أدركت بها أن لحظاته الحميمية والسعادة الخالصة التي مرت عليكما معا ما كانت إلا احتلال وعند إدراك ذلك تشعر بأن
قلبك إناء كثرت به المياة الموضوعة فوق النيران ففارت وتناثرت حوله مخلفة من وراءها دمار غير طبيعيا هذا حال قلبك الذي خدع بالحب والغرام
كما كل مرة تفكير لا حدود له وأسئلة دون إجابة ومازال الطريق مغلق الخيط كله لم تعثر ليه
رفعت وجهها عندما شعرت به يفتح باب الغرفة يهم بالدخول نظرت إليه وهو يتقدم للداخل يغلق الباب ناظرا إليها بلا مبالاة وهدوء رسم على وجهه بحرافية
جلس في مكانه على الفراش يعطي ظهره إليها يعبث بهاتفه لفترة ليست صغيرة تركه على الكومود ثم وقف متجها إلى المرحاض فباغتته بسؤالها
أنت كنت فين يا جبل
سألته دون النظر إليه وبقيت على وضعها فاستدار إليها يرمقها بنظرات ساخرة متحدثا
بتسألي ليه!
حركت وجهها ناحيته بعد أن دق قلبها پعنف توترت نظراتها نحوه وكانت ظاهرة بشدة ابتعلت غصة وقفت بحلقها وقالت
حرام السؤال
ضيق عينيه عليها يراقب حركاتها المتوترة قائلا ببساطة
غريب
سألته باستغراب غير مدركة أنه يتحدث عن سؤالها وقد اعتقدت أنه رآها ويراوغ في الحديث معها
ايه اللي غريب
أجابها
وهو يتقدم منها ليقف أمامها فرفعت رأسها لتنظر إليه حيث أنها كانت جالسة على الفراش
السؤال أول مرة تسأليني كنت فين
انزاح القلق عن قلبها وارتخت أعصابها وهي تتحدث قائلة ببرود ونبرة عادية واثقة
اتعود بقى لما أسألك كل يوم
مرة أخرى يسألها وعيناه متعلقة بعينيها السوداء
وده من ايه بقى
ابتسمت ساخرة وهي ترفع وجهها إليه تسأله بتهكم
هو أنت متعرفش
حرك رأسه نفيا ورفع كف يده إلى وجهها يسير بإصبعه عليه بنعومة ورقة
ونظرتها نحوها حميمية للغاية
لأ معرفش
فسرت له حديثها بوضوح تام وجدية ظاهرة محاولة الثبات إلى النهاية
مش أنا قررت إني هعيش حياتي معاك عادي زي أي اتنين
ما قالته الآن كان نتيجة تفكير أتى على عقلها في أقل من ثانية تنحت عن فكرة استدراجه والحديث معه ووضع حياتها معه مقابل اعترافه بكل شيء ستتبع طريقة أخرى علها تأتي بفائدة
ابتسم بزاوية فمه وهو على علم تام بأن حديثها ما هو إلا هراء هي لا تبتغيه من الأساس ولكنه بادلها
ده شيء كويس
عادت تسأله مرة أخرى ناظرة إلى عينيه الخضراء
كنت فين بقى
تحول نحوه وقال بتهكم مراوغا
ايه مالك بقولك الحقيقة طالما هنعيش زي أي اتنين محبش أكدب على مراتي أحسن بعدين تفتكري إني بخونك ولا حاجه
بادلته نفس السخرية وما سيرهق كلاهما أنهم يفهمون بعضهم جيدا
لأ متقلقش مش هيجي على بالي حاجه زي كده ولو جت هكدبها
عاد يقترب منها مرة أخرى ليبقى أمام وجهها دون فاصل بينهم أنفه تمر على ملامحها مستنشقا أنفاسها يقول بلوعة
اتمنى يلا بقى حضري نفسك
استغربت ما قاله فعادت إلى الخلف لتنظر إليه متسائلة
احضر نفسي لايه
ابتسم وظهرت أسنانه من خلف شفتيه وهو يقول واثقا
مش قولتي هنعيش زي أي اتنين وعلشان نعيش هنبدأ من هنا
أنهى حديثه مشيرا إلى الفراش برأسه فنظرت إليه محركة رأسها ثم عادت ببصرها إلى الواثق من حديثه القابع أمامها ابتلعت ما وقف بحلقها وهي تنظر إليه متوترة ثم قالت برفض
أنا مقولتش كده أنا
قاطع حديثها وهو يقترب منها يميل عليها بجسده حتى أنها مالت إلى الخلف فقبع فوقها مستندا بذراعيه على الفراش ينظر إليها بعينين جائعة ولن تشعر بالارتواء إلا منها
دي مبتتقالش بتتحس
غطت السخرية نبرتها وملامح وجهها وهي تسأله
وأنت بتحس
أشار عليها بعينيه الخضراء غامزا لها متفوها بحديث ذات مغزى
أسأل مجرب ومش هنلاقي مجرب غيرك
دفعته للخلف بيدها فلم يتزحزح عن مكانه ناظرا إليها بثقة تامة رافعا أحد حاجبيه متحديا إياها فلم تطل النظر إليه بنفس الحدة فيقوم بالعناد أكثر ويفعل ما يريد أخفت وجهها عنه وهي تبتعد به لتنظر في الفراغ فكبت جوعه داخله ورغبته الملحة للاقتراب منها وعاد للخلف يقف شامخا مبتعدا عنها
نظر إليها وهو يتجه إلى الحمام يمازحها قائلا بثقة
بمزاجي
غمزها بعينه مرة
أخرى وظهرت وقاحته معها
المرة الجاية مش هصبر
تركها مبتعدا ذاهبا إلى المرحاض ليحبس مشاعره الهوجاء التي أرادت الفرار منه وتحطيم كل الحواجز الموجودة بينهم ليستمتع بعبير قربها