سجينة جبل العمري بقلم ندى حسن
ببرود ولا مبالاة
وأنتي كنتي شيفاني إزاي
عبثت ملامحها وضغطت على أسنانها وحروف كلماتها وهي تتحدث بغل
كنت شيفاك ديب من ديابة الغابة بتاعتكم
ضحك بقوة وعبث بالأوراق وهو يستشعر طريقتها وتخيل ملامحها بعد الاستماع لصوتها لأنه لم يحظى برؤيتها وهي تقول ذلك
للدرجة دي
أومأت إليه وهي توضح له برفق
وأكتر كمان ولحد دلوقتي أنت لسه زي ما أنت أنا بس بحاول اتأقلم أكتر
مش قولتي خلاص اتعودتي على سجنك معايا
تابعته وهي تنظر إليه أيضا ولكنها الآن في مرحلة لم تمر عليها من قبل معه إلا مرة واحدة تتحدث
معه برفق ولين وهو سهل بسيط للغاية فحاولت استدراجه وهي تقول
سجن ليه ميتحولش لتأقلم عادي وبالرضا
سألها مضيقا عينه عليها
وده ينفع
حركت كتفيها بهدوء تعاود هي نفس السؤال
ابتسم باتساع لأنه يدرك جيدا أن هذه ليست المرأة التي تتحول هكذا بين ليلة وضحاها فقال يوضح لها مدى ذكائه الذي رأته سابقا ولكن يبدو لا تعترف به
علشان اللي أعرفه إنك مش بالساهل تتغيري كده يمكن بتحاولي تستهبليني علشان احكيلك اللي أنتي عايزاه
سبته داخلها لأنه يدرك جيدا ما الذي تريد الوصول إليه ولكنها تصنعت ذلك بحرافية وهي تقول بمكر
استغرب قائلا
وده ليه بقى
أجابته بعقلانية لأنه أراد أن يظهر لابنة عمه أنه الأفضل على الإطلاق ومعه زوجته وابنته لعبت على ذلك تعبث به
علشان تمارا مثلا مش ممكن نحسن علاقتنا وتبان أنها حقيقية أكتر قدامها
ابتسم أكثر وعاد بعينه بعيدا عنها قائلا بعدم اقتناع
سألته بضيق
للدرجة دي
أجاب سؤالها بهدوء وجدية موضحا لها أنه يفهمها جيدا ويعلم أنها تريد العبث به ليس إلا
مش أنتي اللي تستسلمي بسهولة وحتى لو استسلمتي مش هيبقى بالطريقة الراغبة فيا دي
تحدثت وهي تتحرك على الفراش تبتعد للخلف تظهر ثقتها بنفسها أكثر وتظهر له أن حديثها حقيقي بعدما تراجعت وتحدثت بعدم اهتمام
تفوه مستغربا من حديثها
مصلحتي وعرفناها مصلحتك ليه بقى
عادت المسافة التي ابتعدتها مرة أخرى وقالت بجدية وصدق نابع من قلبها وعقلها الذي قټله التفكير
أولا علشان بنتي ثانيا علشان أنا تعبت منك وتعبت من تفكيري فيك أنت شخص كويس ولا لا ومحتاجه أفهم بجد وارتاح
بعد حديثها الذي استشعر به الصدق فقال دون مقدمات
لو طلعت شخص كويس مش زي ما أنتي شايفه هتعملي ايه هتفضلي معايا ولا هاتمشي
نظرت إليه للحظة ثم عدلت عليه
أنت سألت السؤال غلط
حرك رأسه يسألها وعيناه تتابع كل حركة تصدر عنها
وايه الصح
لو طلعت شخص كويس مش زي ما أنتي شايفه هتغيري نظرتك السابقة فيا وتنسي اللي عملته فيكي ولا لأ
ظل ينظر إليها دون حديث فأكملت هي قائلة
من هنا نقدر نسأل ولو هغير نظرتي وانسى تسأل بعدها هتتقبليني ولا لأ وبعدها هتقعدي ولا لأ
لا يدري لما أصبح ينظر إليها كل هذه المدة دون حديث وهي تتابع عيناه دون كلل أو ملل بل وقف الحديث على طرفي لسان كل منهما ولكنه في لحظة ما خرجت منه الكلمات بعفوية تامة
لو نسيتي وغيرتي رأيك فيا هتحبيني
كررت نفس الكلمة باستغراب تام وذهول أحاط عقلها بعد أن ارتجف جسدها من أثرها عليها
أحبك!
بقيت تنظر إليه دون إجابة وهي ترى عيناه وملامحه تترقبها وتنتظر منها إجابة أهو حقا ينتظر منها أن تحبه أهو يتخيل أن الأمر بهذه السهولة أو هو تغيرت مشاعره تجاهها ليقول هذا الحديث مرة واحدة أهو مختل لقد قفز مرة واحدة في العلاقة بينهم وهي لا تستطيع تحديد أي مرسى تقف عليه الآن معه أنها فقط
أرادت التحدث ليس أكثر
شاهد تعابير ملامحها التي تتغير كل لحظة والأخرى وكأنها تحدث نفسها قال
ايه صعب
حاولت الهرب من حديثه لتعود إلى ما أرادت وقالت بضيق وانزعاج
أنت بتغير الموضوع وبتهرب بردو
نفى ما قالته وهو يوجه لها نفس الإتهام بالهرب
أنتي دلوقتي اللي بتهربي
تابعته قائلة بامتعاض
بس أنا اللي سألت الأول
استاء من حديثها لأنه على علم تام بما تريد وفجأة أراد أن يبدل الأدوار وراقت له اللعبة
وجدها تسأله بضيق شديد يظهر على ملامحها
أنت إزاي كده
لوى شفتيه قائلا
كده ايه
خرجت الكلمات منها بنفعال بعد أن
احتارت في وصفة بكل أريحية يجلس الآن ينظر إليها بعينيه الخضراء الصافية يخفي نظرته المخيفة عنها وكأن لم يكن هناك أي شيء سيء فعله معها
مبقتش فاهمه أي حاجه منك بجد عصبي ودبش قاسې وعڼيف ولا حنين وطيب عادل وحكيم لأ وبتتكلم معايا دلوقتي عادي كده من غير ما عينك تبصلي البصة اللي بتخوف دي
ارتفعت ضحكاته التي لم تخرج مؤخرا إلا معها هي بسبب تلك العفوية الغريبة التي تستدرجه إليها بكامل إرادته
أنا عيني بتخوف
أومأت إليه دون خوف مؤكدة
آه
صمت وهو ينظر إليها ومازال يضحك فابعدت الضحكات عنه وهي تقول بضعف وحزن ظهر عليها
جبل احكيلي
تنهد بعمق وهو ينظر إلى ضعفها ويشعر بمدى المعاناة التي تمر بها خصوصا أنها امراة حرة فضولية تريد أن تكون على علم بكل شيء أردف بجدية شديدة
ماينفعش جبل اللي أنتي عرفتيه ماينفعش يتهز ولازم يفضل زي ما هو وكلمة مني يا غزال طالما أنتي عايزة نبقى كويسين هبقى كويس معاكي بس طول ما أنتي مش بتغلطي
احتارت وهي تقترب منه تشير إليه بيدها على مدى الإرهاق التي تشعر به كلما فكرت به أو
بشيء يخصه تدلي إليه بعڈابها في الأيام السابقة وسعادتها بأن الطريق فتح بينهم
لو اتكلمت معايا هتريحني أنت مش فاهم دماغي فيها ايه أنا ما صدقت بقى في كلام بينا لأن أنت الوحيد اللي ممكن يريحني طول الوقت دماغي كانت مش بتفصل تفكير وتسأل أسئلة مش لاقيه ليها إجابة
لمعت عينيها بغرابة وهي تحاول بكل الطرق أن تجعله يدلي إليها بكل شيء بحياته ويعترف بأسراره
طول الوقت مش فاهمه أنت ايه ولا عارفه أهرب منك إزاي لكن مرة في مرة حسيتك حد تاني ودي الفرصة اللي سرقتها علشان تتكلم أنا مستعدة انسى اللي حصل دلوقتي بس تريحني
تفوه مستغربا من طريقتها التي تحولت وكأنها مدمنة تريد الخلاص وهو بيده فقط
اريحك إزاي
وضعت يدها على يده تتمسك به قائلة وعينيها متعلقة به
قولي أنت فعلا تاجر س لاح
وجدت الصمت عنوانه لم يدلي إليها بأي حديث فأكملت مرة أخرى تسأل
طب أنت قت لت فعلا
الإجابة الصمت كالسابق فتابعت تضغط على يده تتأمل أن يجيبها
طب أنت راجل ظالم ومچرم
أبعدت يدها عنه
وأصبحت تشير بها وهي تتحدث بصدق موضحة له أنها لا تستطع العيش مع رجل مچرم مثله أما أن يتركها تذهب أو يعترف بالحقيقة
جاوبني أنا مقدرش أعيش معاك وأنا عارفه أنك كده مقدرش أعيش في نفس المكان حتى لو أنت بعيد عني جبل لو أنت فعلا كده أرجوك خليني أمشي أنا مش هعوز منك أي حاجه وأقسملك إني مش هبلغ
ابتسم بسخرية شديدة قائلا
هو أنتي فاهمه إني خاېف تبلغي يبقى لسه معرفتنيش فعلا
أومأت إليه تؤكد ما قال ورأسها تكاد ټنفجر من كثرة التفكير والحديث الذي لم يأتي بنتيجة معه
دي حقيقة أنا مش عرفاك دي تاني مرة نتكلم مع بعض بجد كل اللي شوفته منك أفعال كلها بتناقض بعضها بسببها دماغي بقت متلغبطة
تنهد وهو ينظر إليها بعمق وقال بثقة وتأكيد
كل اللي أقدر اقولهولك ارتاحي يا زينة
استغربت نطقة لاسمها بهذه الطريقة فرددته باستنكار
زينة!
ضړب على يده وهو يضحك ساخرا قائلا بتهكم
أنتي محسساني إني لما بقول زينة كده بقول اسم واحدة تانية هو مش ده اسمك بردو
ابتسمت على حديثه وعيناها تلمع بطريقة غريبة كنجم لامع بقوة بين ظلام السماء قالت برفق وهدوء تنظر إليه
تصدق غزال أحلى
ظل ينظر إليها للحظات والأخرى يتابع نظراتها نحوه وحديثها معه كل هذا الوقت وليست المرة الأولى لهذه الدرجة هي امرأة فريدة من نوعها كي تجعله يجلس هكذا ويتحدث معها ويضحك أيضا
شايف لمعة غريبة في عينك يمكن هتحبيني!
كانت تنظر إلى عيناه مباشرة واخترقت الكلمة قلبها مرة أخرى غير الأولى لكنها تحدثت تجيبه بقوة تنظر إلى داخل عيناه دون خوف تقول ما لم يستمع إليه سابقا تذكره أنه من كسرها بكامل إرادته الحرة وتعلمه بأن ما صدر منها ما كان إلا ضعف
بتتكلم عن الحب كأنه حاجه سهلة أوي بأيدينا حتى لو سهلة وتنفع معاك متنفعش أنا مستحيل انسى اللي عملته فيا كله كوم وكسرتك ليا كوم لأنك عملت كده وأنت عارف إنك بتكسرني وبتذلني ولو فاكر إني لما سبتلك نفسي كده خلاص فلا دي كانت لحظة ضعف مني وندمت عليها لأنها مكانتش المفروض تحصل
تابع نظراته نحوها يشعر
مبتردش ليه
قال وهو يبعد وجهه عنها
كفاية كلام
سألته تحاول أن تنظر إليه وترى ملامحه بعد حديثها
ليه علشان قولت الحقيقة ولا يمكن تكون ۏجعتك
وقف على قدميه بعد أن ارهقه الحديث معها فهو جميعه يحتاج إلى تحليلات يرفعها إلى نفسه ثم إن كانت تجوز أن يدلى بها تعبر من بين شفتيه وتخرج وهو لم يعتد على ذلك أبدا أبتعد وهو يقول بنفاذ صبر
علشان كلامك كله بيحتاج تبريرات أنا مقدرش أقولها وكله استدراج ليا علشان أتكلم معاكي وافتحلك قلبي زي ما قولتي زينة أنا وأنتي اخرنا
قعدة صافية زي دي أكلمك فيها كلمتين زي دول أكتر من كده لأ لأن دي أسرار وآه أنا تاجر س لاح وق اتل ومچرم
كذبته وهي تقف تتقدم منه تقول بمنتهى الثقة ما الذي تشعر به تجاة رجل حكيم عادل لا يصلح أن يكون غير ذلك
مش حاسه بده تصرفاتك الأخيرة وكل الكلام اللي حوليا خلاني أعيد حساباتي وأفكاري فيك مافيش مچرم بيعمل كده أنت نفس الشخص اللي قالي أن قلبه مافيهوش رحمة
أشارت إلى نفسها وهي تعترف بأنه رجل لا يوجد به إلا كل الخير
أنا زينة مختار بقولك أن قلبك مافيهوش غير رحمة وبس والقسۏة دي معرفش سببها ولا جات منين بس أنا عندي فضول هيموتني علشان أعرف أصل الحكاية
أشار إليها بيده مستنكرا وعيناه تجوب وجهها بذهول
بردو الفضول ده أنتي مش بتحرمي أبدا
أكمل بقسۏة تعود إلى موضعها الأصلي تخرج منه بصرامة وعڼف وعيناه بدأت في التحول
حاولي متمشيش ورا فضولك علشان ممكن يوقعك في غلط أكبر مني ومنك وقتها هتنوري في الجبل ومش هسمي عليكي
استدارت تعطيه ظهرها تزفر بضيق لأنه يعود معها إلى نقطة الصفر بعد أن أيقنت أنها
إن استمرت معه هكذا سيكون كتاب مفتوح لها إن لم تخطئ
رجعنا للغرور والتكبر